فصل: الشاهد الرابع والخمسون بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن انتقاض الأمير أبي يحيى زكريا بالمهدية ودخوله في دولة أبي عنان ثم نزوله عنها الى الطاعة وتصاريف ذلك:

كان الحاجب أبو محمد عند رجوعه إلى الحضرة صرف عنايته إلى تحصين المهدية يعدها للدولة وزرا من حادث ما يتوقعه من المغرب وأهله فشيد من أسوارها وشحن بالأقوات والأسلحة مخازنها ومستودعاتها وكان أحمد بن خلف من أوليائه وذويه مستبدا عليه فأقام على ذلك حولا أو بعضه ثم ضجر الأمير أبو يحيى زكريا من الاستبداد عليه واستنكف من حجره في سلطانه فوثب به أحمد بن خلف فقتله وبعث عن أبي العباس أحمد بن مكي صاحب جربة وقابس ليقيم له رسم الحجابة لما كان مناؤئا لأبي محمد بن تافراكين كافله فوصل إليه وطيروا بالخبر إلى السلطان أبي عنان صاحب المغرب وبعثوا إليه ببيعتهم واستحثوه لصريخهم وأضطراب أمرهم وسرح أبو محمد بن تافراكين إليها العسكر فأجفلوا أمامه ولحق المولى أبو يحيى زكريا بقابس واستولى عليها العسكر واستعمل عليها أبو محمد بن تافراكين محمد بن الحكجاك من قرابة ابن ثابت اصطنعه عندما وقعت الحادثة على طرابلس ولحق به فاستعمله على المهدية ولما وصل الخبر إلى أبي عنان بشأن المهدية جهز إليها الأسطول وشحنه بالمقاتلة والرجال وعين الموالي والخاصة فألفوها وقد رجعت إلى إيالة الحضرة ووصل إليها ابن الحكجاك وأقام بها وحسن غناؤه فيها إلى أن كان من أمره ما نذكر.
وأقام الأمير زكريا بقابس وأجلب به أبو العباس بن مكي على تونس ثم بعثوه بالزواودة ونزل على يعقوب بن علي وأصهر إليه في ابنة أخيه سعيد فعقد له عليها.
ولما استولى أخوه أبو اسحق على بجاية استعمله على سدويكش بعض الأعوام ولم يزل بين الزواودة إلى أن هلك سنة ست وسبعين وسبعمائة كما نذكره بعد والله تعالى أعلم.

.الخبر عن استيلاء السلطان أبي اسحق على بجاية وإعادة الدعوة الحفصية إليها:

لما رجع السلطان أبو عنان من قسنطينة إلى المغرب أراح بسبتة وسرح عساكره من العام المقبل إلى أفريقية لنظر وزيره سليمان بن داود فسار في نواحي قسنطينة ومعه ميمون بن علي بن أحمد اديل من يعقوب على قومه من الزواودة وعثمان بن يوسف ابن سليمان شيخ أولاد سباع منهم وحضر معهم يوسف بن مزني عامل الزاب أوعز إليه السلطان بذلك فدوخ الجهات وانتهى إلى آخر وطن بونة واقتضى المغارم ثم انكفأ راجعا إلى المغرب وهلك السلطان أبو عنان إثر قفوله سنة تسع وخمسين وسبعمائة واضطرب المغرب ثم استقام على طاعة أخيه السلطان أبي سالم كما نذكره وكان أهل بجاية قد نقموا على عاملهم يحيى بن ميمون من بطانة السلطان أبي عنان سوء ملكته وشدة سطوته وعسفه فداخلوا أبا محمد بن تافراكين على البعد في التوثب به فجهز إليهم السلطان أبو اسحق ما يحتاج إليه من العساكر والآلة ونهض من تونس ومعه ابنه أبو عبد الله على العساكر وتلقاهم يعقوب بن علي وظاهرهم على أمرهم وسار أخوه أبو دينار في جملتهم ولما أطلق على بجاية ثارت الغوغاء بيحيى بن ميمون العامل كان عليهم منذ عهد السلطان أبي عنان فألقى بيده وتقبض عليه وعلى من كان من قومه وأركبوا السفين إلى الحضرة وأودعهم أبو محمد بن تافراكين سجونه تحت كرامة وجراية إلى أن من عليهم من بعد ذلك وأطلقهم إلى المغرب.
ودخل السلطان أبو اسحق إلى بجاية سنة إحدى وستين وسبعمائة واستبد بها بعض الاستبداد وحاجبه وكافله أبو محمد يدبر أمره من الحضرة ثم استقدم ابنه ونصب لوزارة السلطان أبي محمد عبد الواحد بن محمد بن أكمازير من مشيخة الموحدين فكان يقيم له رسم الحجابة وقام بأمر الرجل بالبلد من الغوغاء علي بن صالح من زعانفة بجاية وأوغادها التفت عليه الثوار والدعار وأصبحت له بهم شوكة كان له بها تغلب على الدولة إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.

.الخبر عن فتح جربة ودخولها في دعوة السلطان أبي إسحق صاحب الحضرة:

هذه الجزيرة من جزر هذا البحر الذي هو قريب من قابس إلى الشرق عنها قليلا طولها من المغرب إلى المشرق ستون ميلا وعرضها من ناحية الغرب عشرون ميلا ومن ناحية الشرق خمسة عشر ميلا وبين فرضتيها في ناحية الغرب ستون ميلا وشجرها التين والنخل والزيتون والعنب واختصت بالنسيج وعمل الصوف للباسهم فيتخذون منه الأكسية المعلمة للاشتمال وغير المعلمة للباس ويجلب منها إلى الأقطار فينتقيه الناس للباسهم وأهلها من البربر من كتامة وفيهم إلى الآن سدويكش وصدغيان من بطونهم وفيهم أيضا من نغزة وهوارة وسائر شعوب البربر وكانوا قديما على رأي الخوارج وبقي بها إلى الآن فريقان منهم الوهبية وهم بالناحية الغربية ورياستهم لبني سمر من والنكارة وهم بالناحية الشرقية وجربة فاصلة بينهما والظهور والرياسة على الكل لبني النجار من الأنصار من جند مصر ولاه معاوية على طرابلس سنة ست وأربعين فغزا أفريقية وفتح جربة سنة سبع وأربعين بعدها وشهد الفتح حسين بن عبد الله الصنعاني ورجع إلى برقة فمات بها ولم تزل في ملكة المسلمين إلى أن دخل دين الخوارج إلى البربر فأخذوا به ولما كان شأن أبي زيد سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة فأخذوا بدعوته بعد أن دخلها عنوة وقتل مقدمها يومئذ ابن كلوس وصلبه.
ثم استردها المنصور بن إسماعيل وقتل أصحاب أبي زيد ولما غلبت العرب صنهاجة على الضواحي وصارت لهم أخذ أهل جربة في إنشاء الأساطيل وغزوا الساحل ثم غزاهم علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس سنة تسع وخمسمائة بأساطيله إلى أن انقادوا وضمنوا قطع الفساد وصلح الحال ثم تغلب النصارى عليها سنة تسع وعشرين وخمسمائة عند تغلبهم على سواحل أفريقية ثم ثار أهلها عليهم وأخرجوهم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ثم غلبوا عليها ثانية وسبوا أهلها واستعملوا على الرعية وأهل العلم ثم عادت للمسلمين ولم تزل مترددة بين المسلمين والنصارى إلى أن غلب عليها الموحدون أيام عبد المؤمن بن علي واستقام أمرها إلى أن استبد أمراء بني حفص بأفريقية ثم افترق أمرهم بعد حين واستبد المولى أبو زكريا ابن السلطان أبي إسحق بالناحية الغربية وشغل صاحب الحضرة بشأنه كما قدمناه فتعلب على هذه الجزيرة أهل صقلية سنة ثمان وثمانين وستمائة وبنوا بها حصن القشتيل مربع الشكل في كل ركن منه برج وبين كل ركنين برج ويجاوره حفير وسوران وأهم المسلمين شأنها ولم تزل عساكر الحضرة تتردد إليها كما تقدم إلى أن كان فتحها أيام السلطان أبي بكر على يد مخلوف بن الكماد من بطانته سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة واستضافها ابن مكي صاحب قابس إلى عمله فأضافها إليه وعقد له عليها فصارت من عمله سائر أيام السلطان ومن بعده.
واتصلت الفتنة بين أبي محمد بن تافراكين وبين ابن مكي وبعث الحاجب أبو محمد ابن تافراكين عن أبيه أبي عبد الله وكان في جملة السلطان ببجاية كما قلناه.
ولما وصل إليه سرحه في العساكر لحصار جربة وكان أهلها قد نقموا على ابن مكي سيرته فيهم ودسوا إلى أبي محمد بن تافراكين بذلك فسرح إليه ابنه في العساكر سنة ثلاث وستين وسبعمائة وكان أحمد بن مكي غائبا بطرابلس قد نزلها منذ ملكها من أيدي النصارى وجعلها دارا لإمارته فنهض العسكر من الحضرة لنظر أبي عبد الله ابن الحاجب أبي محمد ونزلوا في الأسطول فطلعوا بالجزيرة وضايقوا القشتيل بالحصار إلى أن غلبوا عليه وملكوه وأقاموا به دعوة صاحب الحضرة واستعمل عليه أبو عبد الله ابن تافراكين كاتبه محمد بن أبي القاسم بن أبي العيون كان من صنائع الدولة منذ العهد الأول وكانت لأبيه قرابة من أبي عبد العزيز الحاجب ترقى بها إلى ولاية الأشغال بتونس مناهضا لأبي القاسم بن طاهر الذي كان تولاه يومئذ فكان رديفه عليها إلى أن هلك ابن طاهر فاستبد هو بها منذ أيام الحاجب أبي محمد واتصل ابنه محمد هذا بخدمة ابن الحاجب واختص بكاتبه إلى أن استعمله على جربة عند استيلائه عليها هذه السنة وانكفأ راجعا إلى الحضرة فلم يزل محمد بن أبي العيون واليا عليها ثم استبد بها على السلطان بعد مهلك الحاجب وقرار يده على السلطان إلى أن غلبه عليها السلطان أبو العباس سنة أربع وسبعين وسبعمائة كما نذكره إن شاء الله.